التدريب.. الواقع والمأمول

لم يعد هناك شك فيما للتدريب من قيمة إضافية في صقل المواهب وتنمية القدرات وحل المشكلات مما ينعكس إيجاباً على مستوى وكفاءة الفرد الانتاجية وقدرته على المنافسة في سوق العمل. وهذا بدوره يؤدي في المجموع إلى دفع عجلة التنمية والتطور، في البدان التي تعطي للتدريب قيمة إضافية، إلى مستويات أعلى ويكسبها القدرة على المنافسة على المستوى الأقليمي والدولي في المجتمعات المتقدمة. وهذا ما تنبهت إليه تلك المجتمعات المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً منذ وقت طويل ووضعت له الخطط والبرامج الجادة وأصبح رافداً مكملاً من روافد التنمية المستدامة. وكوننا من المجتمعات حديثة التنمية فقد إنطلقت برامج التدريب لدينا على مختلف الأصعدة وبدأت الدوائر والمؤسسات الحكومية في وضع برامج تدريبية طموحة لمنسوبيها، من خلال معهد الادارة العامة، وحثهم على التواصل الدائم لكل ماهو جديد في مجالات عملهم وسارت القافلة على بركة الله.

 

 

لقد مر على تأسيس معهد الادارة العامة سنون طوال تدرب فيه موظفون كثر من سائر القطاعات الحكومية في جميع المجالات، والمفروض أن يكون أثر هؤلاء في مجال عملهم واضح وبين وخصوصاً في مجال العمل الاداري والذي نشكو منه جميعنا بسبب بيروقراطيته العالية. ولكن هل الحال أفضل بعد هذه الفترة الطويلة وإنتشار مفهوم التدريب وتقبل المجتمع له على مختلف الشرائح. إن الاجابة على هذا السؤال ليست صعبة ولا معجزة فيكفي أن تضطر لاجراء معاملة واحدة حتى تلمس الواقع وترى أننا مازلنا بحاجة ماسة إلى تطوير العمل الاداري على كافة المستويات وتعميق الفهم الصحيح لمخرجات التدريب وأنه ليس فقط للترقية من مرتبة إلى أخرى. ويخطئ من يظن أن في تعقيد الاجراء الاداري لانجاز المعاملات مصلحة للعمل أو المؤسسة بحجة التدقيق في الأوراق وإستكمال الطلبات. ولأوضح لكم المقصود أكثرأسوق لكم هذه الطرفة! حدثني زميل أنه بعدما عاد حاملاً شهادة الدكتوراة من إحدى الجامعات الغربية وبدأ إجراءات التعيين على وظيفة مرموقة سأله الموظف المختص عن شهادة الثانوية العامة فصعق صاحبنا من هذا الطلب الغريب العجيب وقال للموظف محاولاً تفهيمه ما أغلق عليه أنه لم يكن ليحصل على شهادة الدكتوراة لولاً حصوله من أمد بعيد على شهادة الثانوية العامة، ولكن يبدو أن التنقيب في الأوراق القديمة لمحاولة العثور على الشهادة (المعجزة) كان أجدى وأنجع من محاولة تفهيمه وحتى تتزحزح المعاملة من مكتبه رضخ صاحبنا للطلب.

 

لا أحد ينكر أن هناك تحسن حاصل في رفع كفاءة العمل الاداري عما كنا عليه في الماضي، ولكن إذا قيس هذا التطور البطئ بما وفرته وسائل التقنية الحديثة من سهولة الاتصال والتواصل وعرض وطلب ونقل المعلومات بسرعة فائقة، فإنه لم يعد مقبولا ولا كافياً ذلك التطور البطئ. إذا كان إنجاز معاملة في الماضي في أسبوع ضرباً من الاعجاز والخيال فإن ذلك أصبح من الضرورات والواجبات في عصر الاتصالات، بل لم يعد حتى الأسبوع إنجازاً.

 

والحق يقال أن هذا التطور الاداري الذي نطمح إليه جميعاً لم يعد ممكناً في ظل وجود أنظمة قديمة جداً وضعت في عهد ساعي البريد الذي يطوف على قدميه لتوزيع ما يحمله من رسائل. ولأن الكثير من التطوير الاداري المنشود يصطدم عند كثير من الجادين للتطوير باللوائح والأنظمة القديمة والتي تقيدهم ولا تعطيهم أي صلاحية لتطوير العمل وتوزيع الصلاحيات إلا في أضيق الحدود. وهذا كله أدى بنا إلى الدخول في حلقة مفرغة تبدأ بالتدريب للترقية وتنتهي بأنظمة غير مناسبة لمتطلبات العصر وتطوراته المتلاحقة. فهل نحن عازمون بالفعل على مواجهة واقعنا الاداري بكل جرأة وشجاعة لاتخاذ خطوات ضرورية وجذرية لمسيرة التنمية في بلادنا؟

 

د/عدنان مصطفى البار

 

17/5/1426هـ


آخر تحديث
10/13/2012 2:35:06 AM